من نافذة الحافلة التي تقودني لأغرف غرفات صغيرة من ينبوع العلم
نظرت بالأمس, ونظرت اليوم, وسأنظر غدا
ورغم أن الطريق هو نفسه إلا إني أتأمله كل يوم, وأرى العجاب فيه كل يوم
رأيت ما هو غريب وما هو شنيع وما هو بسيط.
رأيت ذالك الرجل الذي تخطا من عمره الكثير, والشيب ملأ شعر رأسه ولحيته.
رجل عاش كثيرا ولكنه في مطاف عمره يجلس على شرفات مغسلة الأموات.
لا أعلم لما أختار هذا المكان بالذات, ربما كي يوفر عناء نقله إليها حينما يموت, ربما سأم الحياة وفضل المكوث هنا ينتظر الموت, ربما هذا ما كافأه أولاده وأهله بعد رحلة شقاء خاضها معهم, ربما راح كل من معه إليها وظل وحيدا ففضل الجلوس على عتباتها ينتظر اللحاق بهم.
لا أعلم لما! لكنه كان هناك .
كان هناك ولكن ليس كأي حال, أذهلني منظر قدماه الحافيتان في وضح الشمس, و أذهلني أكثر حينما رأيته يستغيث بأحد الأطفال المارة العائدون من مدارسهم ويطلب منه الدنو منه ليضع قدماه على حذاء ذلك الطفل لعل اللهيب الذي بها ينخفض ولو لبرهة.
و هاهو يستعين بورقة من أوراق كراسته لتكون مقعدا له بدل الأرض الذي أحرقته من لهيب الشمس.
رأيت منزلا لا يقاس حجمه ولا يوصف تصميمه, منزلا من لمحة تصف من بداخله وحينما خرج أحد منهم إذ هو عبوسا قمطريرا.
و رأيت ذلك المنزل الذي تعبت جدرانه من قدمه ولكن من خرجوا منه كانت وجوههم ضاحكة مستبشرة.
رأيت في بلاد الإسلام, بلاد الدين, بلاد الله وبلاد رسوله؛ امرأة تقف أمام الملأ بدون حجاب يغطي شعرها.
رأيت أولائك الغرباء الذين قدموا من بلاد بعيدة ولا يمتون بالبلد شيئا ولا لأحد من أفرادها بصلة يمسك زمام الأمور كلها فبيده أن يضع من هو ليس أهلا للعلم في كليات الطب !!
وكأن الطب لعبة بيده وليس فيها أرواح وهموم بشر آخرين.
و رأيت أيضاً غرباء, ولكن وأي غرباء.
غرباء لجئوا ليأكلوا ما يسد جوعهم, ليناموا مطمئنين, ليعيشوا كما يعيش غيرهم.
يشتغلون صباحا ومساء طامحين إلى الأمام ولكن تخطتهم عقبة وأي عقبة.
هاهم يعملون إلى شق الأنفس لكنهم بعد ذلك ينامون في الشارع تحت سقف الشمس! ويأكلون ما قد شبع منه غيرهم!!!
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ